الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
اتضح أمر الخصوص وعلم أن لا حفظ من الإنشاء أيضًا، ولعل الحفظ حينئذٍ مما فيه ما يشين ويخل بمنصب النبوة مطلقًا، والنكتة في الخصوص ظاهرة على ما نقل عن ابن الحاجب لأن أعظم معجزاته عليه الصلاة والسلام القرآن فربما تحصل التهمة فيه لو قال صلى الله عليه وسلم الشعر وكذلك معجزات الأنبياء عليهم السلام فتأمل.وأيًا ما كان لا يرد أنه عليه الصلاة والسلام قال يوم حنين وهو على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحرث آخذ بزمامها ولم يبق معه عليه الصلاة والسلام من الناس إلا قليل: لأنا لا نسلم أنه شعر فقد عرفوه بأنه الكلام المقفى الموزون على سبيل القصد وهذا مما اتفق له عليه الصلاة والسلام من غير قصد لوزنه ومثله يقع كثيرًا في الكلام المنثور ولا يسمى شعرًا ولا قائله شاعرًا، ولا يتوهم من انتسابه صلى الله عليه وسلم فيه إلى جده دون أبيه دليل القصد لأن النسبة إلى الجد شائعة ولأنه هو الذي قام بتربيته حيث توفى أبوه عليه الصلاة والسلام وهو حمل فحين ولقد قام بأمره فوق ما يقوم الوالد بأمر الولد ولأنه كان مشهورًا بينهم بالصدق والشرف والعزة فلذا خصه بالذكر ليكون كالدليل على ما قبل أو كمانع آخر من الانهزام ولأن كثيرًا من الناس كانوا يدعونه عليه الصلاة والسلام بابن عبد المطلب.ومنه حديث ضمام بن ثعلبة أيكم ابن عبد المطلب على أن منهم من لم يعد الرجز مطلقًا وأصله ما كان على مستفعلن ست مرات شعرًا ولذا يسمى قائله راجزًا لا شاعرًا، وعن الخليل أن المشطور منه وهو ما حذف نصفه فبقي وزنه مستفعلن ثلاث مرات؛ والمنهوك وهو ما حذف ثلثاه فبقي وزنه مستفعلن مرتين ليسا بشعر، وفي رواية أخرى عنه أن المجزو وهو ما حذف من كل مصراع منه جزء فبقي وزنه مستفعلن أربع مرات كذلك فقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا النبي لا كذب» إن كان نصف بيت فهو مجزو فليس بشعر على هذه الرواية وأن فرض أن هناك قصدًا وإن كان بيتًا تامًا فهو فليس منهوك بشعر أيضًا على الرواية الأولى وكونه ليس بشعر على قول من لا يرى الرجز مطلقًا شعرًا ظاهر.وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام حرك الباء من كذب والمطلب فلا يكون ذلك موزونًا فكونه ليس بشعر أظهر وأظهر، والقول بأن ضمير {لَهُ} للقرآن المعلوم من السياق أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرًا فيجوز صدور الشعر عنه صلى الله عليه وسلم ولا يحتاج إلى توجيه ليس بشيء فإنه يكفي في نفي الشعر عنه عليه الصلاة والسلام قوله سبحانه: {وَمَا علمناه الشعر} مكع أن الظاهر عود الضمير عليه عليه الصلاة والسلام، وأولى التوجيهات إخراج ذلك من الشعر بانتفاء القصد وبذلك يخرج ما وقع في القرآن من نظائره منه، وقد ذكرنا لك فيما مر كثيرًا منها، وليس في الآية ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي له التكلم بشعر قاله بعض الشعراء والتمثل به، وفي الأخبار ما يدل على وقوع التكلم بالبيت متزنًا نادرًا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام أنشد بيت ابن رواحة: وإنشاده إياه كذلك مذكور في البحر، وروي أنه صلى الله عليه وسلم أصاب أصبعه الشريفة حجر في بعض غزواته فدميت فتمثل بقول الوليد بن المغيرة: على ما قاله ابن هشام في السيرة أو ابن رواحة على ما صححه ابن الجوزي: وقيل: هو له عليه الصلاة والسلام والكلام فيه كالكلام في قوله صلى الله عليه وسلم أنا النبي الخ إلا أن هذا يحتمل أن يكون مشطورًا إذا كان كل من شطريه بيتًا وعلى وقوع التكلم بالبيت غير متزن مع إحراز المعنى كثيرًا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام أنشد: فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليس هكذا يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام: «إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي» وفي خبر أخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفة ويأتيك من لم تزود بالأخبار.وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله ما علمك الشعر وما ينبغي لك، وأخرج ابن سعيد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس: أرأيت قولك: فقال له أبو بكر: رضي الله تعالى عنه بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أنت بشاعر ولا رواية ولا ينبغي لك إنما قال بين عيينة والأقرع، وروي أنه قيل له عليه الصلاة والسلام: من أشعر الناس؟ فقال: الذي يقول: وأخرج البيهقي في سننه بسند فيه مجهول عن عائشة قالت ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط إلا بيتًا واحدًا: قالت عائشة ولم يقل تحققًا لئلا يعربه فيصير شعرًا، ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع هذا لم يكن يحب الشعر ففي مسند أحمد بن حنبل عن عائشة قالت: كان أبغض الحديث إليه صلى الله عليه وسلم الشعر، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلىء شعرًا» وهذا ظاهر في ذم الإكثار منه، وما روي عن الخليل أنه قال كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام مناف لما سمعت عن المسند، ولعل الجمع بالتفصيل بين شعر وشعر، وقد تقدم الكلام في الشعر مفصلًا في سورة الشعراء فتذكر.{إِنْ هُوَ} أي ما القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} أي عظة من الله عز وجل وإرشاد للثقلين كما قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} [يوسف: 104] {الرَ تِلْكَ} أي كتاب سماوي ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإعجاز الذي ألقم من تصدى للمعارضة الحجر.{لّيُنذِرَ} أي القرآن أو الرسول عليه الصلاة والسلام، ويؤيده قراءة نافع وابن عارم {لّتُنذِرَ} بتاء الخطاب.وقرأ اليماني {لّيُنذِرَ} مبنيًا للمفعول ونقلها ابن خالويه عن الجحدري وقال: عن أبي السمال واليماني أنهما قرءا {ليذنر} بفتح الياء والذال مضارع نذر بالشيء بكسر الذال إذا علم به.{لّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} أي عاقلًا كما أخرج ذلك ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن الضحاك، وفيه استعارة مصرحة بتشبيه العقل بالحياة أو مؤمنًا بقرينة مقابلته بالكافرين، وفيه أيضًا استعارة مصرحة لتشبيه الإيمان بالحياة، ويجوز كونه مجازًا مرسلًا لأنه سبب للحياة الحقيقية الأبدية، والمضي في {كَانَ} باعتبار ما في علمه عز وجل لتحققه، وقيل كان بمعنى يكون، وقيل في الكلام مجاز المشارفة ونزلت منزلة المضي وهو كما ترى، وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع بذلك {وَيَحِقَّ القول} أي تجب كلمة العذاب {عَلَى الكافرين} الموسومين بهذا الوسم المصرين على الكفر، وفي إيرادهم بمقابلة من كان حيًا إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة وأحكامها كالمعرفة أموات في الحقيقة، وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية قرينتها استعارة أخرى.وكأنه جىء بقوله سبحانه: {لّيُنذِرَ} الخ رجوعًا إلى ما بدىء به السورة من قوله عز وجل: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ} [يس: 6] ولو نظرت إلى هذا التخلص من حديث المعاد إلى حديث القرآن والإنذار لقضيت العجب من حسن موقعه.
|